تقرير: مؤمن المكي
في مدينة «بورتسودان» الواقعة شرق السودان، تبدو الحياة مختلفة قليلا بعيداً عن أجواء الصراع والحرب التي تشهدها العاصمة الخرطوم، لكنها مدينة تعج بالنازحين من مناطق الصراع، ومنها انطلق مشروع «سينمات بنات» الذي يعمل على إتاحة الفرصة للسودانيات للتعبير عن أزماتهن وهمومهن عبر أفلام هدفها تغيير المجتمع للأفضل.
استطاعت مجموعة من الفتيات في ولاية البحر الأحمر أقصى شرقي السودان إنتاج أفلام سينمائية باستخدام الهاتف المحمول وكونوا ما بات يعرف بسينما بنات.
إعادة الإحياء
ويقوم مشروع سينما البنات بعمل ورش للفتيات في مدينة بورتسودان تغطي مواضيع كتابة السيناريو والتصوير السينمائي وبنية النص القصصي بجانب تدريب الفتيات على استخدام الموبايل والكاميرات الاحترافية في التصوير.
وتحاول مجموعة النساء بالتعاون مع مجموعة فادي للأفلام وبتمويل من المعونة الأمريكية إعادة إحياء السينما السودانية خاصة مع توقف النشاط الثقافي والمسرحي في السودان.
فئات مهمشة
وتحاول الأفلام السينمائية المنتجة عكس واقع النساء المرير في السودان بعد الحرب عبر تسليط الضوء على تجارب إنسانية صعبة وأخرى ناجحة لنساء استطاعوا التأقلم مع الظروف الصعبة للفتيات في السودان بعد الحرب.
كما تحاول الأفلام عكس تجارب النساء في المجتمع المدني في السودان خاصة القطاعات المهمشة في المجتمع مثل قطاع ذوي الاحتياجات الخاصة مثل فيلم "أنا هنا" الذي سلط الضوء على تجربة النساء الصم في شرقي السودان.
وبجانب عكس توجهات الفئات الضعيفة في المجتمع النسوي تحاول الأفلام أيضا عكس ظروف النزوح التي ظل يعيشيها السودانيون لأكثر من 20 شهرا داخليا عبر فيلم أم الفقراء الذي تساعد فيه بطلة الفيلم ...... الفقراء في باحة المسجد المعدة لإيواء الفقراء.
فيلم "المسيد" أو أم الفقراء كما يسمونه هو أحد الأفلام المنتجة عبر المجموعة النسائية والذي يعكس ظروف المسيد أو التكايا الصوفية في السودان التي لا يقتصر دورها على أداء الشعائر الدينية فحسب بل باعتبارها أماكن لخدمة الفقراء والنازحين السودانيين بعد الحرب ومكان للتعليم.
وتقول زينب الفاضل مخرجة فيلم أم الفقراء إن فكرة الفيلم جاءت من رغبتها في عكس فكرة المسيد ليس فقط كمجتمع صوفي متدين ولكن كمجتمع مدني يساعد الفقراء والنازحين هنا في بورتسودان وفي شتى بقاع السودان.
وتضيف حتى النازحين الذين قدموا من الولايات المتأثرة بالصراع اندمجوا في مجتمع المسيد والأطباء منهم قاموا بعمل أيام علاجية للفقراء هنالك ومن هنا جاءت فكرة تصوير الفيلم.
وبحسب الفاضل فأن المجتمعات الصغيرة مثل مجتمع الصم ومجتمع التكايا قادرة على بناء مجتمعات أكبر إذا تم التركيز عليها بدلا من الاستهداء بأفكار المدارس الاجتماعية المستوردة من الخارج.
العقبات
رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها صناعة السينما في السودان، خاصةً فيما يتعلق بتكلفة الإنتاج وعدم دعم الحكومات المتعاقبة لهذا المجال، الا ان شروع سينمات بنات وجد تجاوبًا واسعًا سواء على وسائل التواصل الاجتماعي و الأوساط الإعلامية المختلفة.
وبحسب المخرجة إيثار خيري فأن أكثر أهم العقبات التي واجهت فريق التصوير كانت حرارة الطقس في مدينة بورتسودان التي تصل فيها درجات الحرارة إلى 48 درجة مئوية بجانب الأمطار الغزيرة التي هطلت في بورتسودان في فترة الخريف.
وأثرت درجات الحرارة أيضا على أجهزة التصوير أيضا التي كانوا يضطرون إلى تبريدها عبر الثلج كثيرا أثناء التصوير.
وتجيء الأفلام التي تم تصويرها في مدينة بورتسودان في جمعية الصم وجميعة تكنان وفي مسيد السمانية سجادة خور المطرق ضمن مشروع "سينما بنات" والذي استمر لأربعة شهور من تمويل المعونة الأمريكية وبالتعاون مع شركة فاوي للإنتاج الإعلامي.
"أنا هنا"
ويعتبر فيلم "أنا هنا" والذي قام فريق النساء بإنتاجه أحد أهم الأفلام في السلسلة السينمائية حيث يناقش الفيلم قضايا السيدات من ذوات الإعاقة السمعية.
وترى خيري أن اختلاف اللغات كان الحاجز الأكبر أثناء تصويرهم لفيلم "أنا هنا" الذي يتحدث عن حياة النساء الذين يعانون من الصم في شرق السودان. وتضيف إيثار "إنني لم أعمل من قبل بالقرب من الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية ولا أعرف لغة الإشارة لذلك استعنا بمترجمين وكان هذا هو أكبر تحدي بالنسبة لي".
التفاعل والحضور
نالت التجربة إعجاب الكثيرين ممن حضروا العرض الأول للأفلام بفضل قدرتها على تقديم قصص مؤثرة وواقعية باستخدام أدوات بسيطة مثل الهواتف المحمولة، مما فتح الباب أمام الكثير من النساء للتعبير عن تجاربهن بطرق غير تقليدية.
وتفاعل الجمهور مع الأفلام التي قدمها المشروع لم يكن مجرد إعجاب بالقصص، بل كان تأييدًا واضحًا للرؤية التي يسعى المشروع لتحقيقها، على المنصات الاجتماعية. و شهدت الأفلام مناقشات موسعة وجلسات حوار بناءة حول القضايا التي تناولتها، مثل تمكين المرأة وحقوق الفئات المهمشة في المجتمع السوداني، بعد أن كانت أدوار النساء محصورة في إطار محدود، و أدوار نمطية وثانوية.
وتعتبر هذه التجربة السينمائية الأولى في السودان لتصوير أفلام عن طريق الهواتف المحمولة باستخدام هاتف آيفون 15 في جميع مشاهد الأفلام المنتجة من قبل مجموعة سينما البنات.
رؤى إسماعيل إحدى الحضور في العرض الأول للأفلام في مدينة بورتسودان تقول إنها كانت سعيدة للغاية عندما سمعت بالفكرة من المرة الأولى لقيام فتيات بإنتاج أفلام تعبر عن واقع النساء في شرقي السودان بعد الحرب وهذا يعكس الوعي الذي يعيشه المجتمع الآن".
وتتابع إسماعيل "أعجبت بطريقة التصوير وبالأفلام وأكثر فيلم أحببته هو فيلم "أنا هنا" الذي عكست قصة بطلته التي استطاعت القيام بأدوار مختلفة في المجتمع في مجال التصميم والتمثيل في مجال العمل وفي البيت أيضا كأم في آن واحد عكست نجاح المرأة الصماء في شرق السودان.
وبحسب نقاد فنيين وفنانين حضروا تدشين الأفلام فإن مثل هذه المبادرات من الممكن أن تعيد إحياء الواقع السينمائي الذي قضت عليه الحرب بتدمير دور السينما ومسارحها الرئيسية في البلاد ومعاهدها الأساسية.