All Stories
لجنة إزالة التمكين: أصول الشركات الأمنية والعسكرية تقدر ب(8) مليار دولار
تحقيق: مؤمن المكي
المتحدث باسم القوات المسلحة: لدينا شركات أمنية ولن نفصح عن تفاصيلها للإعلام
المتحدث باسم الجيش: شركات الجيش تدفع الضرائب والجمارك وتفيد الاقتصاد الوطني
لطالما سيطرت السلطات الأمنية خلال أكثر من ثلاثين عاماً على القطاع الاقتصادي بواسطة شركات أمنية وعسكرية "رمادية" بنت خلال أعوام فترة حكم الإخوان المسلمين للسودان اقتصاداً موازياً ضَمِنَ استمرار التنظيم لفترة ثلاثة عقود. في هذا التحقيق نحاول الغوص عميقاً في تفاصيل هذه الشركات وطبيعة تشكيلها وعن الأشخاص الذي يقفون ورائها.
إقرار وإنكار
أقر الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة العميد نبيل عبد الله بوجود شركات واستثمارات تابعة للقوات المسلحة إلا أنه برر وجود هذه الشركات بأن كل الجيوش في العالم لديها شركات واستثمارات خاصة، مضيفاً " إنها ليست بدعة وليس هنالك جيش في العالم لا يمتلك مؤسسات انتاجية تزوده باحتياجاته وتؤمن له موارد مالية لمجابهة منصرفات الجيوش الباهظة التكاليف. وتابع " لدينا مؤسسات رائدة في مجال الصناعات الدفاعية كمنظومة الصناعات الدفاعية وهي مكسب وطني كبير للبلاد، بجانب مؤسسات انتاجية تكافلية كالمؤسسة التعاونية الوطنية وغيرها، هذه المؤسسات تقدم خدماتها لأفراد القوات المسلحة وعامة المواطنين في شكل مواد غذائية ومنتجات مفيدة بأسعار مخفضة تساهم كثيرا في تخفيف الأعباء المعيشية لأفرادنا ومواطنينا".
وجزم نبيل عبد الله بأن شركات القوات المسلحة خاضعة للمراجعة المالية من قبل وزارة المالية وتلتزم بكل ما يليها من جمارك وضرائب ورسوم طبقا للقانون وهي إضافة حقيقية للاقتصاد الوطني باعتراف مسئولين حتى في الحكومة السابقة.
ورفض المتحدث باسم الجيش الإفصاح عن أي معلومات عن أعداد شركات الجيش ذات الطبيعة المدنية غير العسكرية ومجالات عملها ساخراً "معليش.. الجيوش لا تقدم احصائياتها للميديا يا سيدي".
بيت العنكبوت
رَفضُ المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة الحديث عن أعداد الشركات التي تتبع للقوات المسلحة وبقية القوات النظامية من قوات الشرطة وجهاز المخابرات العامة والدعم السريع قادنا إلى الشك والريبة في هذه المعلومات التي لطالما كانت طي الكتمان لفترة طويلة.. ولذلك قررنا البحث.
ووفقاً لمعلومات وتقارير ومصادر اطلعت عليهم الصحيفة أفادت بأن القوات المسلحة السودانية تمتلك بجانب المؤسسة الوطنية التعاونية ومنظومة الصناعات الدفاعية وشركة زادنا تمتلك أكبر بنك في السودان بمجموع أصول فاق (13) مليون دولار بحسب تقييم سوق الأوراق المالية له في العام 2019م أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف تمويل أي مؤسسة أخرى وهو بنك أمدرمان الوطني الذي تمتلكه بنسبة لا تقل عن (86) %.
وفي الفترة ما بين أعوام (2016م-2018م) بدأت العديد من الشركات التي تبدو خاصة ولكنها على صلة بالقوات المسلحة في الاستحواذ على حصص من بنك أمدرمان الوطني وفجأة في العام 2019م باع بنك السودان المركزي ما تبقى له من أسهم في بنك أمدرمان وهي تقارب (56) % لمجموعات من الشركات الخاصة، صفقة تم التعتيم على سعر بيع أسهمها بحسب صحيفة الراكوبة.
وتسيطر على البنك بنسبة (42) % ثلاث شركات وهي شركة الخرطوم للتجارة والملاحة وشركة بدائل للتجارة والأنشطة المتعددة وشركة كرري الهندسية بنسبة (14) % بجانب المساهم الأكبر وهي الشركة الاقتصادية الوطنية بنسبة (17) %.
أما ال(41) % المتبقية فتسيطر عليها بحسب وثيقة لمركز الدفاع الأمريكية المتقدم تحصلت عليه ترهاقا مؤسسة كرري الدولية للتربية والتعليم بنسبة (13) % 0والهيئة الاقتصادية الوطنية بنسبة (7) % ومنظمة الشهيد بنسبة (5) % وشركة ماربيل الهندسية والسلاسل الفضية للإنتاج والخدمات وشركة الحزام الأخضر للتجارة والاستثمار ب(4) % لكل شركة. أما (2،4) % المتبقية فتسيطر عليها شركات مجهولة.
شركة زادنا:
شركة زادنا هي الأخرى مملوكة لصندوق الضمان الاجتماعي التابع للقوات المسلحة بحسب الوثيقة بنسبة تتجاوز (99) % وأكبر دليل على ذلك أن مجلس إدارتها يحتوي ممثلين اثنين من الجيش وهما المستشار القانوني والمالي للقائد العام ومدير هيئة التصنيع الحربي وعبد الرحيم دقلو نائب قائد قوات الدعم السريع.
بنك الخليج:
وبحسب معلومات تحصلت عليها ترهاقا فإن البنك مملوك بنسبة (15) % إلى شركة الركيزة للإنتاج الزراعي والحيواني المحدودة وشركة مورسيكو المحدودة وشركة الجيل القادم وشركة الوديان بنسبة (14) % لكل شركة. بينما تمتلك وكالة قادم للسفر والسياحة (8،5) % وصالح عبد الرحمن أبكر (6) % وشركة اكستنشن للتجارة والاستثمارة المحدودة بنسبة (5،9) % وشركة قاطورا للأنشطة المحدودة بنسبة (6) % بينما أشار تقرير آخر لمركز الدفاع الأمريكي بأن شبكة حميدتي تمتلك ما لا يقل عن (28) % وعند احتساب الشركات الأخرى التي يقال إنها خاضعة له فإن النسبة قد تصل إلى (58) %.
لا أحد يعلم:
وقال وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم على هامش الاجتماعات السنوية للبنك الاسلامي للتنمية في شرم الشيخ إن السودان يمضي قدمًا في خطط خصخصة الشركات المملوكة للجيش ويجري محادثات مع دول الشرق الأوسط للمساعدة في تمويل اقتصاده الذي يعاني من ضائقة مالية.
وأضاف في مقابلة أن الحكومة لا تزال في طريقها لإغلاق العديد من الشركات المملوكة للدولة والبالغ عددها 650 وخصخصة شركات أخرى على الرغم من الانقلاب العسكري الذي وقع في أكتوبر والذي أدى إلى خروجها عن مسار التحول الديمقراطي. وهذا من شأنه أن يستمر في سلسلة من الإصلاحات المقترحة بعد انتفاضة شعبية أطاحت بعمر البشير في عام 2019. وتابع "سيتم طرح جميع الشركات التجارية للاكتتاب العام باستثناء الشركات المنتجة للسلاح وسيكون ذلك قريبا".
وعلى الرغم من أن وزير المالية أشار إلى أن عدد الشركات المملوكة للدولة يبلغ (650) شركة منها شركات مملوكة للوزارات الصناعية والتجارية وأخرى مملوكة للقوات النظامية إلا أن خبراء يعدون أن هذه التقديرات محافظة.
ومصداقاً لهذا التأسيس أشار تقرير لمركز مالكوم كير-كارينغي إلى أن الشركات التابعة لمنظومة الصناعات الدفاعية وحدها أكثر من (200) شركة بمعدل دخل وصل يصل إلى (110) مليار جنيه أي ما يعادل (2) مليار دولار. بينما يبلغ عدد الشركات الإجمالي بما فيها شركات الدعم السريع بحسب ذات التقرير حوالي (250) شركة بإجمالي إيرادات تقدر بملايين الدولارات وما تبرّعها البالغ مليار دولار إلى بنك السودان المركزي لدعم استيراد السلع الحيوية في العام 2019 على حجم الاحتياطي المالي الذي تحتفظ به.
ويوضّح المسح الشامل الذي أجراه الباحث جان-باتيست غالوبان والبحث الآخر المتضمّن "التقييم الأساسي للأمن البشري في السودان وجنوب السودان" ضلوعَ الشركات العسكرية في إنتاج وبيع الذهب والمعادن الأخرى، والرخام، والجلود، والمواشي، والصمغ العربي. وهي منخرطة أيضًا في تجارة الاستيراد — ويُعتقد أن ذلك يشمل السيطرة على60 في المئة من سوق القمح — والاتصالات، والمصارف، وتوزيع المياه، والتعاقد، والإنشاءات، والتطوير العقاري، والطيران، والنقل، والمنشآت السياحية، وإنتاج الأجهزة المنزلية، والمواسير، والأدوية، والمساحيق، والنسيج.
وقدر أستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية بروفيسور عصام عبد الوهاب بوب في حديثه لـ(ترهاقا) حجم اقتصاديات الشركات التي تسيطر عليها المنظومة الأمنية ما بين (500-700) مليون دولار.
لمعرفة البيانات التفصيلية عن أسماء تلك الشركات ومجالات إنتاجها تواصلنا مع مجموعة من المصادر في لجان التسيير التي كونها رئيس مجلس الوزراء السابق د. عبدالله حمدوك لتحويل شركات أمنية وعسكرية إلى الدولة ومصادر أمنية وعسكرية إلا أن محاولاتنا باءت بالفشل لأن أعضاء لجان التسيير رفضوا الإفصاح عن معلومات بحجة أنهم الآن يعملون في الشركات التي تمت هيكلتها وهي الآن تحت وزارة التجارة.
شركات الشرطة وجهاز الأمن:
لمعرفة المزيد حول الموضوع تواصلنا مع جنرالات في الشرطة لنعرف من أحدهم أن الشرطة لديها شركتان وهي شركة كوشاي وأواب. وتعمل كوشاي في الجوازات والحوسبة وترتيب تسليم الجوازات بينما تعمل شركة أواب في تأمين المواقع مثل شركة الهدف التي تتبع لجهاز الأمن وتعمل في تأمين البنوك والشركات.
وأضاف الجنرال الذي فضل حجب اسمه أن إدارة الخدمات الاجتماعية وصندوق المعاشات وشرطة الاحتياطي المركزي لديهم استثمارات أيضاً في مجال الزراعة والثروة السمكية والدواجن.
محاولات جاهدة للهيكلة
وفي 17 من مارس من العام الماضي قام رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك بزيارة تفقدية لمنشآت منظومة الصناعات الدفاعية في مجمع اليرموك الصناعي، حيث كان في استقباله وزير الدفاع الفريق الركن ياسين ابراهيم ياسين.
وقال وزير الإعلام والمتحدث الرسمي باسم الحكومة حمزة البلول وقتها في مؤتمر صحفي عقب الزيارة إن منظومة الصناعات الدفاعية تقدمت باقتراح لتقسيم المنظومة إلى اتجاهين اتجاه يهتم بتطوير الصناعات الدفاعية واتجاه لتطوير الصناعات المدنية وكذلك الاتفاق على إنشاء مجلسين ومجلس للتنمية الاقتصادية برئاسة وزير الصناعة للإشراف على الصناعات المدنية للنظام ومجلس للتمويل والاستثمار برئاسة وزير المالية يراقب التحول التدريجي للنظام المدني إلى شركات مساهمة عامة.
وأشار وزير المالية الدكتور جبريل إبراهيم إلى إمكانية الاستفادة من إمكانات المنظومة في المشاريع الاستراتيجية مثل تطوير قطاع البترول والسكك الحديدية والزراعة وتصنيع قطع الغيار لشركات السكر.
ورافق رئيس الوزراء خلال الزيارة وزراء شؤون مجلس الوزراء، والإعلام، والطاقة، والمالية، والثروة الحيوانية، والعدل، والتنمية الاجتماعية، والشباب والرياضة، والداخلية، والتعليم العالي، والاتصالات.
اتفاق فيما يبدو بحسب مراقبين ظل حبراً على ورق وزاد الطين بلة انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر والذي لم يعد شركات التمكين المفككة إلى حضن النظام السابق فقط بل فك تجميد أموالهم كما غض الطرف عن أي هيكلة للقوات لشركات القوات النظامية.
على ضوء هذه الخلفية الحرجة دخل المرسوم الأميركي المتعلق بالانتقال الديمقراطي، والمساءلة، والشفافية المالية في السودان" حيّز التنفيذ في مطلع العام 2021. وطالب المرسوم بأن تحقّق السلطات السودانية السيطرة المدنية على أموال وأصول الأجهزة الأمنية (بما فيها العسكرية) والاستخباراتية، وإنهاء اتجارها غير المشروع بالموارد المعدنية، وعلى وجهٍ خاص نقل "جميع الحصص في كافة الشركات العامة والخاصة التي تحوزها أو تديرها الأجهزة الأمنية والاستخباراتية" إلى وزارة المالية أو الهيئات الحكومية الأخرى ذات الصلة والخاضعة للمساءلة أمام السلطات المدنية.
وعزّزت الولايات المتحدة إمكانية الحصول على المعونة المالية الدولية والقروض من الهيئات المتعددة الأطراف، وهذا أمر بالغ الأهمية، حين شطبت اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في 14 ديسمبر 2020. وشجّع الإعلان رئيس الوزراء عبد الله حمدوك على تجديد المطالبة بإنهاء النشاط التجاري العسكري، الذي اعتبره "غير مقبول".
العقبة الكبرى
ويشكّل الإفصاح المالي الشرطَ اللازم الأول لإتمام تصفية الشركات التجارية العسكرية. فعلى أقل تقدير، ينبغي التأكد من المدى الحقيقي للجدوى الاقتصادية لتلك الشركات وما إذا يتطابق ذلك مع المعلومات المعلَنة بغية تجنّب الاعتقاد في حال فشلت لاحقًا، بأن سبب فشلها هو نقلها إلى السيطرة المدنية. لكن الخطوات الأولى في السودان لم تكن مشجّعة. فقد وعدت منظومة الصناعات الدفاعية في أبريل 2020 أن تخضع حساباتها إلى مراجعة حكومية شاملة. وبالفعل، قدّمت للوزراء الحكوميين عرضًا غير مسبوق عن شركاتها في الشهر التالي، غير أنها لم تفِ بوعد كشف بياناتها المالية إلى وزارة المالية. وشكا حمدوك في شهر أغسطس من أن(80) % في المئة من الشركات العسكرية هي "خارج ولاية وزارة المالية"، مضيفًا أن الوزارة لا تطّلع سوى على (18) في المئة من مداخيلها.
مؤسسات فوق القانون:
عضو سكرتارية لجنة إزالة التمكين المجمدة عروة الصادق قال في تصريح لـ(ترهاقا) إن حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير عكفت على تصفية شركات في القطاع الحكومي ومصادرة بعضها وخصخصة البعض الآخر، وأوكلت جزء كبير منها لإدارة الاستثمار في جهاز الأمن والمخابرات وظل يتعاقب على رئاسة مجالس إدارتها مدراء الجهاز، بعضها تم تأسيسه ونقل أعماله لدول أخرى بالتعاون مع حكومات تلك الدول وأجهزة مخابراتها لتجاوز الحصار الاقتصادي المضروب على السودان". وأضاف "جميع تلك الشركات والمؤسسات الاقتصادية التي يتجاوز عددها ستمائة شركة واسم عمل مقسمة بين الجيش والأمن والشرطة لا تخضع لقانون الشركات ولا تتقيد بإجراءاته، كما أنها كانت كذلك لا تخضع للتفتيش أو المراجعة المالية من ديوان المراجعة القومي".
ظل الوضع كذلك إلى قيام الثورة بحسب عروة وقيدت الحكومة الانتقالية حينها نقل ملكية الشركات وأسماء العمل والأنشطة التجارية دون الحصول على موافقة خطية من لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، ومثل هذا الأمر عقبة ونقطة خلاف بين اللجنة والمؤسسة الأمنية والعسكرية، لأن اللجنة رفضت تحويل هذه الشركات التي كانت تردها عبر قوائم من الأمن والجيش ، كما رفضت نقل ملكيتها وتحويل اسهمها من أسماء منسوبي الجهاز والجيش لصالح ما سمي بصناديق الضمان والتي هي في الأساس صناديق خاصة بالمنتسبين لهذه المؤسسات، وهو الأمر الذي سيبدد أموالا عامة ويحيلها إلى صناديق خاصة يتحكم فيها قادة تلك المؤسسات ولا يذهب ريعها لا للشعب ولا لمنسوبي الجهاز والجيش.
ظلت اللجنة تراقب وضع تلك الشركات ولم تستردها لصالح حكومة السودان لأنها أصلا مملوكة لها، ولكن الإجراء الصحيح الذي كان على رئيس الوزراء اتخاذ هو ضم تلك الشركات لولاية وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي وهو الأمر الذي لم يتم ولم تستجب له قيادة تلك المؤسسات الأمنية والعسكرية.
أصول بثماني مليار دولار:
وأكد عروة دون أدنى شك أن هذه الشركات تمثل قوة اقتصادية موازية لاقتصاد الدولة ومحور تضاد للحكومة وهي تعمل في أنشطة متعددة زراعية وصناعية وانتاجية وتجارية وغيره جميعها منافسة للقطاعات الحكومية وتحظى بعناية فائقة وإعفاءات لا حصر لها، ولها أصول ثابتة ومنقولة وأرصدة تتجاوز الثمانية مليار دولار. وأضاف "ظلت طوال سنوات النظام المباد وسنوات الحكومة الانتقالية تدر ريعها لصالح حلقة ضيقة ممن يتحكمون في قيادة الأجهزة الأمنية، وهو الأمر الذي أضر بالاقتصاد القومي لأن كثير من تلك الشركات تستفيد من تسهيلات مالية حكومية وتمويل من البنك المركزي بالعملات الأجنبية إلا أن الريع وحصائل الصادر لا يعود للبنك المركزي ولا للحكومة ولا تعلم عنه وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي شيئاً".
وأشار إلى أن التوصية الماثلة أمام كل نظام قادم وستكون وستظل المشورة التقنية والفنية بضرورة وضع جميع تلك المؤسسات تحت ولاية المال العام وتنضبط بأسس وقوانين الحكومة، لاستحالة حدوث استقرار اقتصادي بوجود شركات رمادية ستظل عقبة أمام التعاون الاقتصادي الدولي.
خلص التحقيق بموجب ما تم عرضه من إفادات وتقارير إلى تمتع بعض الشركات الأمنية بامتيازات واسعة ضمنت لها طوال فترة أكثر من ثلاث عقود التمتع بصلاحيات واسعة والدخول في استثمارات كبيرة في مجالات الإنتاج المختلفة من الزراعة والصناعة والتجارة بعيداً عن عين ورقابة وزارة المالية.
الخرطوم: ترهاقا
تحقيق استقصائي أجرته DW عربية حول استخدام قوات سودانية لأسلحة ثقيلة بينها أسلحة خارقة للدروع ومضادات طائرات ضد المتظاهرين السلميين الرافضين للانقلاب العسكري. كيف استُخدمت الأسلحة، وما هو مصدرها؟
مع بداية الانقلاب العسكري في السودان في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 ازداد توتر الأوضاع بشدة بين الشقين المدني والعسكري في البلاد. جاء ذلك بعدما أعلن القائد العام للقوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان - رئيس مجلس السيادة في السودان - حالة الطوارئ، وحلّ مجلس السيادة المكون من شق مدني وآخر عسكري، كما حل مجلس الوزراء واحتجز رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك (أُفرح عنه لاحقاً) وعدد من الوزراء والقيادات المدنية في قطاعات مختلفة.
خرج الآلاف من السودانيين إلى الشوارع مطالبين بإنهاء الانقلاب العسكري وعودة المدنيين إلى الحكم، لكن قوات الأمن والميليشيات السودانية (وبالأخص قوات الدعم السريع) واجهت التظاهرات ليس فقط بالرصاص الحي العادي، وإنما بأسلحة يمنع استخدامها ضد المدنيين، وكان منها أسلحة مضادة للطائرات وطلقات خارقة للدروع.
وثق عدد من النشطاء السودانيين عدة حوادث مريعة نتج عنها مقتل أكثر من 40 سودانياً وإصابة العشرات بسلاح قوات الأمن السودانية منذ وقوع الانقلاب. ومنذ ذلك التوقيت، استخدمت قوات الأمن السودانية الذخيرة الحية بشكل مفرط، إلى جانب الغاز المسيل للدموع، بهدف تفريق الاحتجاجات التي نظمت اعتراضا على استيلاء الجيش على السلطة.
لكن قيادات الأمن السوداني - وعلى رأسها البرهان وحميدتي - نفت بشكل قاطع تورط تلك القوات في أي عمليات قتل للمتظاهرين، فيما أكدت لجنة أطباء السودان أكثر من مرة في بيانات لها أن قوات الأمن السودانية تستخدم الذخيرة الحية في مواجهة المتظاهرين في الخرطوم. وهو ما أكدته تقارير طبية تلقتها DW عربية من مصادرها بالسودان، حيث أشارت تقارير الصفة الشريحية لعشرة وفيات على الأقل إلى أن سبب الوفاة هو الإصابة بطلق ناري.
التعامل شديد العنف من قبل قوات الأمن وميليشيات الدعم السريع أثار انتقادات دولية، وهو التعامل الذي أشارت إليه منظمة العفو الدولية بوصفه تم باستخدام "القوة المميتة"، إذ قالت ديبروز موتشينا المدير الإقليمي لبرنامج شرق وجنوب إفريقيا في منظمة العفو الدولية "إن التصعيد في استخدام القوة المميتة من قبل السلطات الأمنية في السودان في الأسبوعين الماضيين كان مدروساً لترهيب وقمع الاحتجاجات في الشوارع ضد استيلاء الجيش على السلطة الشهر الماضي"
وقالت المنظمة إن "قتْل العشرات من المحتجين العزل يدعو إلى إجراء تحقيق فوري ومستقل ومحايد لضمان المساءلة عن عمليات القتل، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي زُعم أن قوات الأمن قد ارتكبتها. ويجب على السلطات التحقيق في عمليات إطلاق النار المميتة للمحتجين العزل، والسماح بمراقبة هذا التحقيق دولياً، ومحاسبة المسؤولين".
لم يكن من الممكن مع الانقطاع المستمر للانترنت في البلاد الوصول إلى ما يكفي من المواد سواء صور أو فيديوهات توثق عمليات إطلاق النيران والقتل أو الإصابات بين صفوف المتظاهرين. لكن تمكن عدد من النشطاء من إرسال ما قاموا بتوثيقه إلى آخرين نجحوا في تحميل تلك المقاطع على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة. وصل عدد كبير من هذه الصور والفيديوهات إلى DW عربية.
أكد النشطاء السودانيون أن قوات الدعم السريع والأمن السوداني يستهدف المتظاهرين العزل بسلاح ثقيل – ومنها المدافع المضادة للطائرات – الأمر الذي نتج عنه إصابات مباشرة أدت لوقوع وفيات. ووثقت التقارير الطبية التي وصلتنا من نشطاء سودانيين حالات وفاة متعددة نتجت عن الإصابة المباشرة بطلقات نارية (لم يحدد نوعها) استهدفت الرأس والصدر بشكل مباشر.
كانت صور القتلى التي وصلتنا شديدة البشاعة – تمتنع DW عن نشرها التزاماً بالمعايير الصحفية – ما أثار الشكوك حول طبيعة السلاح الذي يمكن أن يتسبب في هذا النوع من الإصابات القاتلة ويؤدي لهذه الإصابات المريعة.
التحقق من نوعية الأسلحة
من خلال الصور والفيديوهات التي تلقتها DW من مصادرها، بدأت تتضح صورة بعض أنواع تلك الأسلحة بشكل تقريبي. لكن لم يتم التمكن من التأكد بشكل جازم من الشركات المنتجة للسلاح أو معرفة الرقم المسلسل لها، نظراً للخطورة الشديدة الذي يمثلها الاقتراب من قوات الأمن على حياة المتظاهرين لتصوير السلاح المستخدم.
تواصلت DW عربية مع معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام SIPRI في محاولة لتحديد نوع السلاح المستخدم في مواجهة المتظاهرين العزل والذي تم تركيبه على سيارات الدفع الرباعي فيما يعرف باسم (التاتشارات). تم حصر الاحتمالات في أربعة أنواع من الأسلحة (جميعها يمكن أن تستخدم طلقات خارقة للدروع):
1) ZPU-4 a towed anti-aircraft gun
ZPU-4 Flugabwehr Maschinengewehr
السلاح الروسي المضاد للطائرات ZPU-4 هو واحد من الأسلحة التي تمتلكها القوات السودانية
وهو سلاح روسي مضاد للطائرات يتم إنتاجه أيضاً بموجب ترخيص في الصين تحت اسم 56 وفي رومانيا باسم MR-4. النسخة الأولى من هذا السلاح كانت المدفع السوفيتي KPV عيار 14.5 × 114 ملم ويصل مداه إلى 8 كيلومترات أفقياً و نحو 5 كيلومترات رأسياً. كما يتم إنتاجه أيضاً في أوكرانيا وبالتحديد من خلال شركة SSSFTF Ukrinmash وهي شركة تابعة لمصدر الأسلحة الأوكراني الرئيسي المملوك للدولة "Ukrspetsexport".
2) ZU-23-2 anti-aircraft twin-barreled autocannon
ZU-23-2 Flugabwehrkanone
يصل مدى السلاح ZU-23-2 إلى نحو 2.5 كيلومتر
سلاح روسي مضاد للطائرات مزدوج الماسورة بقطر 23 ملم، ويرمز حرفي Z و U إلى (Zenitnaya Ustanovka) أو معدات مضادة للطائرات بالروسية ويصل مداه على نحو 2.5 كيلومتر، وتنتجه أوكرانيا أيضاً من خلال الشركة السابق ذكرها.
3) ZPU-2 14.5 mm anti-aircraft twin guns
ZPU-2 Flugabwehr Maschinengewehr
السلاح المضاد للطائرات ZPU-2 يأتي ماسورة قطرها 14.5 ملم واستخدم بكثافة في عدة دول منها ليبيا
سلاح مضاد للطائرات بماسورة قطرها 14.5 ملم وهما النسخة الأقدم من السلاح السابق وقد تم تطويره في الصين لاحقاً ويتم إنتاج أيضاً في رومانيا.
4) Khawad heavy machine gun 12.7 x 108 mm
يعرف عالمياً باسم "دوشكا" ويتواصل صنعه في الصين وباكستان وإيران ورومانيا. تم تطوير السلاح لاحقاً وأطلق عليه دي شي كا ام (Dshkm) وينتج في السودان حالياً.
DW عربية تواصلت مع مؤسسة SMALL ARMS SURVEY في سويسرا والمعنية بمراقبة حركة السلاح حول العالم والتي رجحت أن الأنواع الثلاثة الأولى – وفق ما ورد في الصور والفيديوهات التي أرسلتها DW عربية إليها – هي أسلحة روسية، أما الرابع فهو إنتاج سوداني وهو نسخة معدلة من الدوشكا التي يتم إنتاجها في الصين.
هذه النقطة أيضاً أكدها مصدر سوداني متخصص لـ DW عربية -رفض ذكر اسمه- والذي قال إن أغلب السلاح المستخدم والمثبت على سيارات الدفع الرباعي والذي ظهر في الفيديوهات هو روسي الأصل وأن الباقي يتم انتاجه (أو تجميعه في الأغلب) من خلال هيئة التصنيع الحربي السودانية وهي مؤسسة حكومية خاصة بإنتاج المعدات الدفاعية للقوات الأمنية السودانية ، ومنها السلاح "دوشكا". غير أن الصين هي المصدر الأكبر لواردات السلاح في السودان وهذا ما أشار إليه أيضاً تقرير معهد بحوث تسليح الصراعات.
والحقيقة أن التوصل لنوعية بعض هذه الأسلحة لم يكن مفاجئاً، ذلك أن قوات الجيش السوداني استخدمت بعضها خلال معاركها مع "الجيش الشعبي لتحرير السودان – الشمال" (SPLA-N) في المعارك التي دارت في جبال النوبة.
وثق تقرير معهد بحوث تسليح الصراعات عدداً من هذه الأسلحة الثقيلة والتي وقعت في أيدي قوات (SPLA-N)، ومنها سلاح "12.7 x 108 mm ‘Khawad' heavy machine gun وسلاح ZU-23-2 23 x 152B mm ، وذلك رغم الحظر الأوروبي المفروض على واردات الأسلحة للسودان منذ عام 1994 والحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة بسبب أزمة دارفور منذ عام 2005. إلا أنه وبحسب التقرير فإن نتائج البحث تشير إلى أن الحكومة السودانية واصلت الاستفادة من الوصول "غير المقيد نسبيًا" إلى عدد من الأسلحة الثقيلة بعضها معدات غير عسكرية وبعضها ثنائي الغرض من دول في شرق آسيا والشرق الأوسط.
وفي فبراير/شباط من عام 2012 شدد المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية ألكسندر لوكاشيفيتش على أن روسيا الاتحادية تصدر أسلحة للسودان "في إطار التزامها بالقوانين الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي القاضية بحظر استخدامها في إقليم دارفور". لكن منظمة العفو الدولية كانت قد نشرت قبل ذلك بعدة أيام تقريراً يؤكد أن أسلحة روسية وصينية يجري استخدامها في انتهاك حقوق الإنسان في منطقة دارفور وهو ما يخالف حظراً على توريد السلاح تفرضه الأمم المتحدة. وقالت المنظمة إن روسيا والصين تقومان بتوريد أسلحة إلى حكومة السودان على الرغم من توفر الأدلة على استخدامها في ضرب المدنيين في دارفور .
حاولت DW عربية التواصل مع وزارات الدفاع في كل من روسيا الاتحادية والصين ورومانيا وأوكرانيا، إلى جانب الشركة الأوكرانية المسؤولة عن إنتاج السلاحين ZU-23-2 (23 mm) وZPU-4 (14.5 mm) anti-aircraft guns ووجهت سؤالين محددين هما: هل قامت أي من الوزارتين ببيع أسلحة مضادة للطائرات (وتحديداً هذه الأنواع الأربعة) إلى السودان خلال السنوات العشر الماضية؟ وما الذي يمكن عمله إن علمت الوزارات باستخدام تلك الأسلحة الثقيلة ضد المتظاهرين السلميين؟ لكن وحتى لحظة كتابة التقرير لم نتلق رد من أي من الوزارات الأربع أو الشركة الأوكرانية.
Sudan Khartum | Sicherheitskräfte
تستخدم قوات الدعم السريع أنواع مختلفة من المدافع المضادة للطائرات أغلبها مسلح بطلقات خارقة للدروع
من يملك تلك الأسلحة؟
أغلب هذه الأسلحة الثقيلة تمتلكها حالياً ما تسمى بقوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو "حميدتي" نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، وذلك بحسب ما يظهر من الصور والفيديوهات على صفحة القوات على موقع فيسبوك بالإضافة إلى التقاريرالدولية وتحقيقات استقصائية سابقة، وهي قوة شبه عسكرية تأسست عام 2013 لمساندة النظام السوداني (نظام البشير) في نزاعها مع المتمردين في إقليم دارفور. وتأتي غالبية أفراد الدعم السريع من الأشخاص الذين كانوا سابقاً أساسا لمجموعات مسلحة أطلق عليها آنذاك اسم "الجنجويد".
وتتهم قوات الجنجويد/الدعم السريع من جانبمنظمات حقوقية عديدة بارتكاب جرائم ضد الإنسانيّة وجرائم حرب من قتل واغتصاب وسرقة وتعذيب وذلك في الصراع الذي اندلع في دارفور عام 2003، في زمن الرئيس السابق عمر البشير. وبسبب ذلك، وجهت المحكمة الجنائية الدولية تلك التهم بحق 4 أشخاص (أحدهم الرئيس المخلوع عمر البشير).
واتهم المتظاهرون في السودان مراراً تلك الميليشيات المسلحة بممارسة العنف ضدهم، ضاربين مثالاً بفضّ اعتصام للمحتجّين أمام القيادة العامة للجيش وسط العاصمة الخرطوم والتي عرفت لاحقاً باسم مذبحة القيادة العامة والتي نتج عنها مقتل أكثر من 100 متظاهر (عثر على جثث 40 منهم وقد ألقيت في نهر النيل) ومئات الجرحي فيما وثق نشطاء وحقوقيون جرائم اغتصاب وتعذيب مروعة نفذتها تلك الميليشيات بحق المتظاهرين.
وتثير قوات الدعم السريع قلقاً عارماً ليس بين المدنيين في السودان وحدهم، بل وعلى مستوى قيادات القوات المسلحة السودانية التي وجدت نفسها مع الوقت على قدم المساواة مع حميدتي وميليشياته المتهمة بجرائم مروعة. وكان قد أُعلن في السودان سابقاً عن مشروع لتأهيل ميليشيات/قوات الدعم السريع ودمجها في الجيش، لكن حتى الآن لم يتم تنفيذه على الأرض نظراً لاعتراضات من الجانبين.
استخدام الأسلحة الثقيلة ضد المدنيين في القانون الدولي
وفي هذا الإطار، تبذل جهود فردية في عدة دول ومنها الولايات المتحدة الأمريكية بهدف زيادة الضغط على قادة الانقلاب العسكري لعودة المدنيين إلى الحكم، إذ يعتزم السيناتور الديمقراطي كريس كونز طرح قانون يشمل عقوبات فردية بحق المسؤولين عن عرقلة العملية الانتقالية في لسودان، وهو الطرح الذي جاء كتعديل ضمن موازنة الدفاع التي يجب على الكونغرس إقرارها.
أيضاً تضغط عدة مؤسسات دولية تابعة للأم المتحدة على سلطات الانقلاب في السودان خاصة أن عمليات القتل وصلت إلى الأطفال، ما حدا بمؤسسة اليونيسيف في السودان لانتقاد الأوضاع بشدة
تواصلت DW عربية مع عدد من خبراء القانون الدولي والمعنيين بحماية المدنيين خلال النزاعات المسلحة لمعرفة الوضع القانوني وعواقب استخدام تلك الأسلحة الثقيلة ضد المتظاهرين السلميين في السودان.
يرى الدكتور سايمون باغشاو المستشار السابق للسياسات في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) في جنيف ونيويورك والخبير في شؤون حماية المدنيين في النزاعات المسلحة والتهجير القسري، أن الأمر معقد للغاية، "ففكرة رؤية أسلحة ثقيلة من هذا النوع خارج حالات النزاع المسلح هو أمر غير معتاد أبداً، والأكثر مدعاة للقلق أن تُستخدم ضد المدنيين بعيداً عن ميادين الحرب".
ويضيف باغشاو متحدثاً لـDW عربية من كندا أن "استخدام مثل هذه الأسلحة الثقيلة في سياق إنفاذ القانون سيكون أمر فيه إفراط شديد للغاية مقارنة بما يُراد من استخدم هذه الأسلحة تحقيقه في النهاية، وإذا سألت من فعلوا ذلك، فهم على الأغلب سيقولون إن الأمر يتعلق باستعادة النظام وضبط الأمور في الشارع، لكن المنطق والقانون يقولان إنك لا يمكن أن تستخدم مضادات الطائرات لتنفيذ أمر كهذا".
استخدام غير متناسب بين الفعل ورد الفعل
ويقول الخبير السابق لدى الأمم المتحدة أنه "بالنظر إلى طبيعة هذه الإسلحة فإن تأثيرها المحتمل هو القتل، والحقيقة أني لا يمكنني أن أفهم كيف يمكن تبرير استخدام تلك الأسلحة من منظور "إنفاذ القانون"، وحتى في إطار "إنفاذ القانون" فإن ذلك لا يمنحك الحق تلقائيًا في قتل الناس، وإذا ما قيل إن ذلك تم في إطار الدفاع عن النفس فإن هذا يعد نوعاً من المراوغة عندما يتعلق الأمر باستخدام تلك الأنواع من الأسلحة، فهناك أسلحة أخرى مسموح بها في حالات الدفاع عن النفس وإنفاذ القانون ليس منها بالطبع مضادات الطائرات".
وأشار الدكتور باغشاو إلى أن هناك الكثير من إرشادات الأمم المتحدة فيما يتعلق باستخدام الأسلحة النارية من قبل مسؤولي إنفاذ القانون، وأيضاً ما نصت عليه الخطوط التوجيهية للأمم المتحدة فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الأقل خطورة في حالات إنفاذ القانون.
وبحسب المنصوص عليه في المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية - الذي يعتبر السودان طرفًا فيه – يشير باغشاو إلى الفقرة 13 والتي ورد فيها أنه "يُتوقع من الدول الأطراف أن تتخذ جميع التدابير اللازمة لمنع الحرمان التعسفي من الحياة من جانب مسؤولي إنفاذ القانون لديها ، بمن فيهم الجنود المكلفون بإنفاذ القانون".
وتشمل هذه التدابير وضع تشريعات مناسبة للتحكم في استخدام القوة المميتة من قبل مسؤولي إنفاذ القانون ، وتشمل أيضاً إمداد القوات المسؤولة عن السيطرة على الحشود بوسائل فعالة وأقل فتكًا ومعدات حماية كافية لهم من أجل تجنب اللجوء إلى استخدام القوة المميتة (انظر أيضًا الفقرة 14) مع وجوب امتثال جميع عمليات مسؤولي إنفاذ القانون للمعايير الدولية ذات الصلة ، بما في ذلك مدونة قواعد السلوك للموظفين المكلفين بإنفاذ القانون والمبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من قبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون (الفقرة 34) ، كما تشير الفقرة أيضًا إلى وثيقة إضافية وهي مدونة قواعد السلوك لموظفي إنفاذ القانون.
ويختتم خبير النزاعات المسلحة السابق في الأمم المتحدة إلى أن الأسلحة التي يتم الحديث عنها في السياق السوداني ليست ممنوعة - بحد ذاتها - وفق القوانين الدولية، "لكن إن قلنا إن هناك أسلحة يمنع استخدامها من جانب قوى إنفاذ القوى لوجود احتمال أن تؤدي للوفاة، فإنه بالتالي ومن باب أولى ينبغي ألا تستخدم تلك الأسلحة الثقيلة ضد المدنيين، وفي حال استخدمت فإن هذا خرق للقانون المتعلق باستخدام القوة ضد المدنيين .. الأمر ليس متعلق بالسلاح نفسه بقدر ما هو متعلق بكيفية وحدود وأطر استخدامه، وهنا وفي حالة السودان يمكن أن يكون الحديث بشكل قانوني عن "الاستخدام المفرط للقوة" لأن هذه الأسلحة بطبيعتها يحتمل بشكل كبير للغاية أن تسبب الوفاة بين المدنيين، فالأمر هنا خرج عن استخدام الرصاص المطاطي مثلاً أو الغاز المسيل للدموع إلى استخدام الذخيرة الحية ضد المدنيين وهذه ليست أي ذخيرة حية.. هذه مضادات للطائرات الحربية".
02:09 دقيقة
DW الأخبار | 22.11.2021
السودان .. حمدوك يقول إنه عاد للحفاظ على المكاسب الاقتصادية
أسلحة للمناطق المفتوحة فقط
ويرى اللواء مامون مأمون أبو نوار الخبير العسكري من عمان أن القوات المسلحة السودانية تمارس قدراً قليلاً للغاية من الضبط فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الثقيلة، مؤكداً أن مصادر هذه الأسلحة المضادة للطائرات وحتى بعض أنواع الأسلحة الرشاشة ثنائية الاستخدام (ضد الأفراد والمروحيات القريبة) متعددة ومنها الصين وروسيا وبيلاروسيا ورومانيا وأن هذه الأسلحة تتعاون في إنتاجها عدة شركات من هذه الدول بحسب نوع كل سلاح على حده، إلى جانب السلاح الذي تقوم بتجميعه المصانع السودانية".
وقال الخبير العسكري إن "استخدام هذه الأسلحة يجب أن يكون في المناطق المفتوحة فقط وليس داخل المدن خاصة أنه يصنف كسلاح عشوائي ويلحق ضرراً كبيراً"، وأضاف أن "من الواضح تماماً من حجم الوفيات والإصابات ونوعيتها أن هناك عدم التزام من جانب قوات الأمن السودانية المختلفة بمبدأ التناسب، بمعنى أن الضرورة العسكرية لاستخدام هذه الأسلحة وهذا الحجم من القمع والعنف لا يقارن بالمقتضيات الإنسانية أو القانون الدولي ولا بحجم ما يسببه المتظاهرون من ضرر... هناك خلل كبير في هذا الشأن فلا ضرورة عسكرية ابدا تقضي باستخدام مضادات الطائرات ضد المتظاهريين المسالمين غير المقاتلين والذين لا يشكلون تهديدا من أي نوع.
وأشار اللواء ابو نوار إلى أن "الاختلال بالتوازن بين استخدام السلاح والأسباب الداعية إلى استخدامه يؤدي إلى وقوع جريمة حرب، فهذا عنف غير مبرر يسلتزم المحاسبة بشأنه في إطار اتفاقيتي جنيف وروما، فلا يوجد أي معنى لنصر عسكري على مدنيين بسطاء عزل من السلاح".
بدوره، يرى الدكتور انطوان سعد الخبير في القانون الدولي من بيروت أن هناك أزمة أساسية تسبق الحديث عن استخدام الأسلحة الثقيلة ضد المدنيين في السودان، وهو أن "السلطة الحاكمة كانت سلطة انتقالية لحين إجراء انتخابات ونقل السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة لكن ما حدث أنه تم اغتصاب السلطة وتحولت إلى سلطة قمعية ترتكب على ما يبدو نوعاً من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة، لأن إطلاق النار بهذا الحجم لم يكن متناسباً أبداً مع التظاهرات السلمية".
ويتفق سعد مع باغشاو في أنه "وفق آخر القرارات الدولية إن كان إطلاق الغاز المسيل للدموع لم يعد من المسموح استخدامه لوجود مواد ضارة للغاية في مكوناته تؤذي المخ والقلب والجهاز التنفسي، فكان بالأحرى أن يتوقف استخدام الرصاص الحي ويستخدم فقط في حالة ما كانت اعتداءات المتظاهرين تتجاوز خطورة إطلاق الغاز المسيل للدموع، أي أنه يجب دائماً تحقيق مبدأ التناسب بين التحركات الشعبية وبين ردة فعل الأجهزة الأمنية والعسكرية".
ويؤكد الخبير القانوني اللبناني أن "استعمال السلاح الثقيل كمضادات الطائرات والآليات نزولاً إلى الرصاص الحي العادي يشكل جريمة إبادة وجريمة ضد الإنسانية، خاصة إذا اتخذ هذا الفعل نمطاً جماعياً، أما إذا كانت الوقائع هي لحالات فردية فيخرج الأمر من دائرة التوصيف للجريمة الدولية".
عقوبات دولية
وعن العقوبات الدولية التي يمكن أن تطبق على القيادات العسكرية السودانية يقول الدكتور انطوان سعد إنها "قد تبدأ بحصار للسطات التي ترتكب مثل هذه الجرائم اقتصادياً ومالياً وقد يتصاعد الأمر إلى قطع علاقات أو أن يتخذ مجلس الأمن موقفاً حاسماً من الحالة السودانية بأن يلجأ إلى وضع السودان تحت أحكام الفصل السابع لاتخاذ تدابير ذات طابع عسكري بغرض حفظ الأمن والسلم الدوليين، وهذا قد يحدث إذا لم يكن السودان موضوعا لصراع المصالح بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن" .
ويقترح الدكتور سعد أن يقوم النشطاء السودانيون بتجهيز ملف قانوني يشمل أدلة كاملة موثقة حول وقائع قتل وإصابات محددة ومحاولة معرفة الأشخاص الذين قاموا بالعدوان وتحديد السلطات القضائية التي امتنعت عن معاقبة هؤلاء وكذلك القيادات السياسية التي أشرفت على هذه الأحداث ليكتمل الملف الجرمي ويحال كما هو إلى مكتب المدعي العام الدولي، وهذا هو الحد الأدني من التحرك كتدبير احترازي انتظاراً لتدخل مجلس الأمن والتصرف في الملف السوداني ككل .. ويجب وقتها عمل مذكرة تفصيلية بحق هؤلاء باتهامات محددة كما حدث مع عمر البشير الذي انتهى الأمر به إلى صدور مذكرة توقيف دولية بحقه، وهذا هو أسرع التدابير التي يمكن أن يتخدها مكتب المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية".
عماد حسن
Sudan's Premierminister Abdalla Hamdok
السودان.. انقلاب عسكري يعصف بالانتقال الديمقراطي
اعتقالات بالجملة
منذ فجر الاثنين 2021.10.25، تتوالى تقارير إعلامية من السودان تفيد باعتقال الجيش لعددٍ من الوزراء وسياسيين بارزين من بينهم قيادات "قوى الحرية والتغيير" المظلة المدنية التي قادت انتفاضة شعبية أطاحت بنظام الجنرال عمر حسن البشير 2019.04.11. رئيس الوزراء عبد اللّه حمدوك ذُكر في البداية إنه وضع تحت الإقامة الجبرية، وأكدت وزارة الثقافة والاعلام أنه نُقل بدوره إلى مكان مجهول بسبب "رفضه تأييد الانقلاب".
Sudan Khartum | Sicherheitskräfte
السودان.. انقلاب عسكري يعصف بالانتقال الديمقراطي
متمردون سابقون
قائمة المعتقلين حسب وسائل الإعلام تطول تباعا لتشمل أيضا ياسر عرمان، نائب الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان وفق ما نشر حسابه على تويتر. وكانت جماعته المتمردة قد وقعت اتفاق سلام في 2020 مع السلطات الانتقالية متعهدة بالاندماج في الجيش. وعمل ياسر عرمان مؤخرا كمستشار لعبد الله حمدوك.
Sudan | Soldaten ARCHIV
السودان.. انقلاب عسكري يعصف بالانتقال الديمقراطي
إعلاميون وصحفيون
الاعتقالات طالت أيضا إعلاميين وصحفيين، فقد اقتحمت قوات عسكرية مقر الإذاعة والتلفزيون في أم درمان، واحتجزت عدداً من العاملين. فيما تمّ قطع الانترنت، في وقت تواترت فيه تقارير عن توجه عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي إلى تعليق العمل بالوثيقة الدستورية التي تنظم المرحلة الانتقالية في البلاد.
Sudan Militärrat Abdel Fattah al Burhan
السودان.. انقلاب عسكري يعصف بالانتقال الديمقراطي
إعلان طلاق
رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان أعلن الاثنين(2021.10.25) فرض حالة الطوارئ في السودان وحل مجلسي السيادة والوزراء. كما أعلن تعليق العمل ببعض بنود الوثيقة الدستورية، وتجميد عمل لجنة إزالة التمكين، وإنهاء عمل ولاة السودان، مشيرا إلى التمسك باتفاق جوبا للسلام. وزارة الإعلام السودانية وصفت إجراءات البرهان بأنها "انقلاب عسكري".
Aufstand im Sudan
السودان.. انقلاب عسكري يعصف بالانتقال الديمقراطي
غضب وإنزال أمني
على الفور خرج العشرات من المدنيين لشوارع الخرطوم وتم إحراق الإطارات، كما تم نشرت قوات الدعم السريع في شوارع العاصمة الخرطوم.
Krise in Sudan Demonstration Khartoum
السودان.. انقلاب عسكري يعصف بالانتقال الديمقراطي
دعوات للخروج إلى الشارع
مباشرة بعد الاعتقالات دعت القوى الثورية وعلى رأسها "تجمع المهنيين السودانيين" المعارض، في حسابه على فيسبوك، إلى "الخروج للشوارع واحتلالها وإغلاق كل الطرق بالمتاريس، والإضراب العام عن العمل وعدم التعاون مع الانقلابيين، والعصيان المدني في مواجهتهم". رئيس الوزراء حمدوك بدوره طالب بـ "احتلال الشوارع دفاعاً عن الثورة". ذات الدعوات أطلقها أيضا حزبا "الأمة" و"الشيوعي".
Jeffrey Feltman UN-Untergeneralsekretär
السودان.. انقلاب عسكري يعصف بالانتقال الديمقراطي
ردود فعل دولية
اجتمعت القوى الدولية بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على أن ما حدث في السودان فجر الاثنين انقلاب "مخالف للإعلان الدستوري والتطلعات الديمقراطية للشعب السوداني، وغير مقبول على الإطلاق"، كما جاء على لسان المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان الذي هدّد بوقف المساعدات إلى السودان.
USA New York | UN-Jahresversammlung | Félix Tshisekedi
السودان.. انقلاب عسكري يعصف بالانتقال الديمقراطي
قلق على مستقبل السودان
قلق بالغ على مستقبل السودان شددت عليه تصريحات مسؤولين من الأمم المتحدة ودول غربية وسط مطالبات حثيثة إلى إعادة العملية الانتقالية إلى مسارها الصحيح. الاتحاد الأوروبي دعا إلى الإفراج عن قادة السودان المدنيين وشدد على وجوب "تجنّب العنف وسفك الدماء"، من جهته دعا الإتحاد الأفريقي إلى "الاستئناف الفوري للمشاورات بين المدنيين والعسكريين في إطار الإعلان السياسي والإعلان الدستوري".
Unruhen im Sudan | Demonstration
السودان.. انقلاب عسكري يعصف بالانتقال الديمقراطي
انقلاب بعد انقلاب
الانقلاب الجديد جاء بعد أربعة أسابيع عن محاولة انقلاب فاشلة لم تفهم تفاصيله بعد. وبعد يومين من تظاهرات حاشدة نزل فيها عشرات الآلاف من السودانيين إلى شوارع المدن، دعماً لانتقال كامل للحكم إلى المدنيين، فيما كان أنصار العسكر يواصلون اعتصاماً أمام القصر الجمهوري وسط العاصمة الخرطوم منذ السبت الماضي، في مؤشر على الانقسام المهيمن على المشهد.
Krise in Sudan Abdalla Hamdok
السودان.. انقلاب عسكري يعصف بالانتقال الديمقراطي
مآل الثورة؟
المشهد اليوم يوحي بنهاية اتفاق 2019، حين وقّع العسكريون والمدنيون الذين كانوا يقودون الحركة الاحتجاجية التي أطاحت بالرئيس البشير، اتفاقًا لتقاسم السلطة نصّ على فترة انتقالية من ثلاث سنوات تم تمديدها لاحقا. وبموجبه، تم تشكيل سلطة تنفيذية من الطرفين، على أن يتم تسليم الحكم لسلطة مدنية إثر انتخابات حرة. غير أن الشروخ اتسعت بين فريق يسعى إلى عودة العسكر إلى الحكم وفريق آخر يريدها "مدنية..مدنية".